..... يحيي المغاربة داخل الوطن و خارجه يوم غد ذكرى من أهم الذكريات في تاريخنا ، ذكرى غيرت مجرى التاريخ المغربي المعاصر و هي من أعظم مظاهر عبقرية جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله. إنها ذكرى المسيرة الخضراء. وتعلمون معشر المؤمنين أن المحتلين لبلدنا وللبلاد الإسلامية لم يكن لهم من همّ سوى التشتيت والتفريق والإضعاف، لنهب الخيرات وإضعاف القدرات والتمكن من الاستغلال الطويل الأمد دون رقيب ولا حسيب. و لكن الله تعالى قيد لهذا البلد مجاهدين شجعانا وقادة ملوكا أفذاذا ضحوا بالغالي والنفيس لتحرير البلاد وتوحيدها. إنها المسيرة الخضراء ومن اسمها تُفهم طبيعتها. فهي ليست حمراء إذ لا سفك للدماء فيها، وليست سوداء إذ أهلها متفائلون ليسوا من أهل الظلام ولا الظلمات... فهي خضراء رمز للسلم وعنوان له... و إشارة إلى أن السلم مع الحق أقوى من الحديد مع الظلم.و رسالتها الخضراء تقول: إن إرادة المغاربة و وحدتهم أقوى من الظلم والجبروت والحديد والنار. فالمسيرة الخضراء كانت أقوى من جيوش المستعمرين ودباباتهم وطائراتهم وأسلحتهم الفتاكة. فالقوة في هذه الحياة لا تختزل في القوى المادية بل قوة الحق والمنطق أقوى وأبلغ. وإرادة الشعوب أثبت من الجبال الرواسي. و قد أبانت المسيرة الخضراء على أن هذه الأمة فيها خير كثير لخدمة الأمة وقضاياها الكبرى. فما إن هيأ الله لها ملكا عبقريا وقائدا كفؤا وزعيما ملهما -الحسن الثاني رحمه الله- حتى هبت إلى الاستجابة له والسير خلفه والتضحية بالنفس و النفيس لجمع شمل البلد وتوحيد صفه...إذا كان المحتل ليس له من همّ سوى التمزيق وإثارة العرقيات والنزعات والنزغات، فإنه لا سبيل إلى الاستقلال والتحرر إلا بالوحدة والاتحاد، ولا وحدة إلا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله و سنتي " وقد تجلى هذا المعنى بشكل عجيب في المسيرة الخضراء. فمبدعها الملك الملهم رحمه الله، لم يسلح الناس بالأسلحة الثقيلة ولا الخفيفة، ولم يرسل معهم جيشا من المقاتلين... وإنما سلحهم بكتاب الله، والتضحية من أجل دينهم ووطنهم وملكهم... فسارت الجموع إلى تحقيق هدفها من الوحدة التي بينت طبيعة العلاقة بين المغاربة وملوكها من المحبة والتعلق والتفاني، وهو ما يفتقر إليه غيرنا و يحسدنا عليه الحاسدون المغرضون . فالله تعالى عصم المغرب - القلعة الحصينة - من المكاره وجمع شمل المغاربة ملكا وشعبا، فلله الحمد والمنة. وهذا هو النَّفس نَفْسه الذي يحافظ عليه ويجدده الملك محمد السادس حفظه الله، وذلك بحرصه على وحدة المغرب الدينية و الترابية و الوطنية - فاللهم احفظ هذا البلد من الفتن ما ظهر منها وما بطن.اللهم احفظ علينا أمننا و استقرارنا ، اللهم من أرادنا و أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه و صل اللهم و سلم على سيدنا محمد....