و إن من أعظم قصص المرسلين ما قصه تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام ذلك أن فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم، يستعبدهم و يستخدمهم في أخس الصنائع . و لما بلغه أنه سيخرج من ذرية إبراهيم من بني إسرائيل غلام يكون هلاكه على يده. أمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرا من وجود هذا الغلام. و لن يغني حذر من قدر. فاحترز كل الاحتراز أن لا يوجد موسى حتى جعل رجالا و قوابل يدورون على النساء الحوامل و يعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكرا إلا ذبحه من ساعته. و لما ولد موسى عليه السلام ضاقت به أمه ذرعا و خافت عليه، فألهمها الله أن اتخذي له تابوتا أي صندوقا قال الله تعالى "و أوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " و كانت دارها مجاورة لنهر النيل.فوضعت موسى في ذلك التابوت و ألقته في النهر، فحمله الماء حتى مر على دار فرعون"فالتقطه آل فرعون" و لما فتحوا التابوت وجدوا فيه ذلك الغلام ولما وقع نظر امرأة فرعون عليه أحبته حبا شديدا. فلما جاء فرعون طلبت منه أن لا يقتله ودافعت عنه و قالت: "قرت عين لي و لك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا و هم لا يشعرون "و قد أنالها الله ما رجت منه من النفع ، فهداها الله بسببه و أسكنها جنته . و لما استقر هذا الغلام في دار فرعون أرادوا أن يغذوه بالرضاع فلم يقبل ثديا فحاروا في أمره . و اجتهدوا على تغذيته بكل ممكن فلم يقبل كما قال تعالى " و حرمنا عليه المراضع من قبل"فأرسلوه مع القوابل لعلهم يجدون من المراضع من يقبل ثديها، فرأته أخته و لم تظهر أنها تعرفه، بل قالت :"هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم و هم له ناصحون" ففرحوا بذلك و ذهبوا معها إلى منزلهم فأخذته أمه فالتقم ثديها و أخذ يمتصه و يرتضعه و كان ذلك بتقدير الله و عناية الله. قال تعالى:"فرددنه إلى أمه كي تقر عينها و لا تحزن و لتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون " فلما كبر موسى عليه السلام أكرمه الله برسالته و أوحى إليه بوحيه و خاطبه بكلامه العظيم ، و أرسله إلى فرعون بالآيات و السلطان المبين.
[justify]