أما الأمنية الأخرى التي يتمناها الموتى : فهي الرجوع إلى الدنيا ولو لدقائق معدودة ليتصدّقوا، ليقدّموا صدقة لله، ولقد نقل الله لنا أمنيتهم هذه في قوله تعالى:" وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" لقد اقتنعوا ـ ولكن بعد فواتِ الأوان ـ أن الصدقة من أحبّ الأعمال إلى الله، وأن العبدَ سيسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ فتمنّوا الرجعة ليقدموا صدقتهم بعد أن منعوها الفقير وصرفوها على شهواتهم وملذاتهم، إنها أمنية مليئة بالحسرة والأسف، ولكنها جاءت متأخرة.فإذا زرت المقبرة قف أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك. فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا، لتركع ركعة، لتسبّح تسبيحة، لتذكر الله تعالى ولو مرة؟! ها نحن على ظهر الأرض أحياء فلنعمل صالحا