من أدبيات الخطباء و الوعاظ
يقول الأستاذ معاذ الصمدي خطيب و واعظ مسجد باب الريان
وواعظ قار بالمجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات مولاي رشيد :
التخلي عن النجومية و عن المبالغة المفتعلة في تضخيم بعض القضايا
و ابتغاء وجه الله بالعمل
التريث في إصدار الأحكام/ مخاطبة الناس بقدر مستوياتهم/ تجنب الأمور الخلافية / مراعاة الاستعداد الذهني للمستمعين باحترام مدة الخطاب و وحدة موضوع الخطبة
إن من مهام الواعظ والخطيب الأساسية أن يحرّك عواطف الناس ، ويحيي قلوبهم بنور الحكمة كما تحيى الأرض الميتة بماء المطر ، ولا نفع في واعظ خاوي الضمير ، جاف الروح ، يتحدث ببرود وجفاف .. ويذكر الجنة والنار والموت والقبر وكأنه يعرِض مسألة في الهندسة أو في الحساب !ومتى شعر المستمع بتفاعل المتكلّم وصدقه مع قضيّته وجديّته في عرضها إلا و تتبع ذلك باهتمام ، وقديما سأل إبن أباه : يا أبت ما بالك إذا تحدثت أبكيت الناس بكلام سهل قريب ؟؟ ويتحدث غيرك فلا يُبكيهم ؟ فقال له :يا بني: لا تستوي النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة . وفي صحيح مسلم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه ، وعلا صوته ، واشتدّ غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : " صبّحكم/ مسّاكم . والعاطفة قاسم مشترك بين جميع الناس، ولذلك تجد الذين يستمعون إلى الواعظ أو الخطيب الذي يهز العواطف يفوقون بأضعاف مضاعفة عدد الذين يستمعون إلى متحدث في قضايا علمية بحتة أيا كان موضوعها مما يجعل الناس يشدون الرحال إلى مساجد تبعد عنهم و يتركون المساجد المجاورة لهم ، و في هذا نوع من الإخلال سببه عدم وحدة المناهج عند الخطباء ، فلو وحد الخطباء مناهجهم و استراتيجية عملهم لكان كل مسجد بأهل حيه ممتلئ .لكن مما يحدث كثيرا ًوما يؤسف له هو أن ينساق الواعظ أو الخطيب مع عاطفة الجماهير فتجرّه جراً إلى الاسترسال وراء ما يُحرّك ويثير الرغبة في المحافظة على مستوى التأثير وعدد الحضور .فيدخل بابا خطيرا كثر ما كان ينبه عليه فسقط في فخه و هو باب الرياء و عدم الإخلاص لله ، أو ما نسميه "بالبحث عن النجومية "و هي في حقيقة أمرها تحرق. ولذلك يبرز عند بعض الخطباء شيء من المبالغة المفتعلة في تضخيم بعض القضايا ليعظم وَقْعها على السامع ... فيقع فيما ليس هو أهله، لا سيما في إصدار بعض الفتاوى الخلافية و التي يتبنى فيها مخالفة العادة و ما جرى به العرف و العمل مستندا لا إلى قول الله و الرسول و إنما إلى قول * التقليد الأعمى * و مبدأ * خالف تعرف* فكم من عامّي تبنى حكماً شرعياً معوجا و لا يقبل المناقشة فيه بدعوى أنه من قول "فلان" و إن كان الأمر تحصل به مصلحة معتبرة شرعا أو مرسلة أو ما اندفعت به المفاسد ولم يرد بخصوصها دليل نص محرم لها و الأكثر من ذلك أنها ليست من خلاف الأولى. و نمثل لهذا بتشنيع البعض على قراءة القرآن جماعة أو ما يعرف عندنا - الحزب- و ترك التعوذ و البسملة في الفرائض ، و حرمة النافلة بعد خروج الإمام يوم الجمعة ، .... فهذه المسائل الفقهية تحتاج إلى التريث في إصدار الأحكام عليها بالبطلان أو بالتشنيع و التهجم و التبديع لأصحابها حتى أصبح العامي من الناس يقول على الله بغير علم و لا هدى.مما جر البلايا و الفتن بين الناس وقد يكون سبب ذلك موقف واعظ أوخطيب أقول موقف كما أسلفت ، لا حكم شرعي ، وقد سبقنا إلى هذا الطرح ثلة من العلماء في تأصيل و تخريج الفروع الفقهية المالكية و بعض ما جرى به العمل في بعض الأمور التي أصبحت محط نقاش كل من هب و دب و هي من صميم الدين. وعليه ، فهذه نصيحتي لكل خطيب و واعظ ، تنبع من قلب صادق يريد الدفع بعجلة الخطباء إلى القيام بمسؤولياتهم على أحسن وجه و لا سيما أولئك الذين متعهم الله بإخلاص أعمالهم و نواياهم فكانوا من الباحثين على ما عند الله من الأجر و الثواب لا من الباحثين عن النجومية و الانزلاق في مصايد الشيطان. ومن النصائح ما يلي
- 1 - أن يعد الخطيب أو الواعظ الإعداد الجيد لخطبته وموعظته، مع ضبط نصوص الاستدلال و البحث و التقصي قبل عرض الموضوع
- 2 - عدم الخوض في الأمور الخلافية ، إذ أنّ في المتفق عليه ما يستغرق أعمارنا وجهودنا ، بل الأمور الخلافية تطرح أمام هيئة العلماء و المجالس المختصة في ذلك لتتضح الأمور على أساس علمي لا على أساس من التخمين و التقليد وأمام عامة الناس في المساجد.
- 3 - عدم نعث جهة ما بالبدعة و الضلال لما ينجم عنه من أدية المومنين و التلذذ بأكل لحوم المخلصين و فتح المنافذ للمضللين .
- 4 - الحرص على مخاطبة الناس بقدر ما يفهمون ، و الارتقاء بهم بالتدريج
- 5 - التقيد بالوقت حتى لا تكون الخطبة أو الموعظة مخلة . وهي أول نصيحة تلقيتها يوم باشرت مهمة الخطابة من لدن مسؤول شكر الله له حين قال لي : لا تجعل خطبتك مملة و لا مخلة في إشارة إلى التقيد بالوقت المناسب و مراعاة أحوال المصلين ، فكانت بحق نصيحة الخطيب الناجح
- 6 - الحفاظ على وحدة الموضوع حتى يكون المستمع مستعدا للإدراك الذهني لاستيعاب الخطبة و الموعظة لأن الانتقال من موضوع لآخر في عدم وحدة للأخير يصير بها الحليم حيرانا ، وبسببها يخرج المصلي من المسجد خاوي الضمير و جاف الروح .....